الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا أَرْسَلَنَا إِلَى أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ، يَا مُحَمَّدُ، مِنْ قَبْلِكَ وَمِنْ قَبْلِ قَوْمِكَ، رَسُولًا إِلَّا بِلِسَانِ الْأُمَّةِ الَّتِي أَرْسَلْنَاهُ إِلَيْهَا وَلُغَتِهِمْ (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) يَقُولُ: لِيُفْهِمَهُمْ مَا أَرْسَلَهُ اللَّهُ بِهِ إِلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، لِيُثْبِتَ حُجَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ التَّوْفِيقُ وَالْخِذْلَانُ بِيَدِ اللَّهِ، فَيَخْذُلُ عَنْ قَبُولِ مَا أَتَاهُ بِهِ رَسُولُهُ مِنْ عِنْدِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، وَيُوَفِّقُ لِقَبُولِهِ مَنْ شَاءَ وَلِذَلِكَ رَفَعَ "فَيُضِلُّ "؛ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الِابْتِدَاءَ لَا الْعَطْفَ عَلَى مَا قَبْلَهُ، كَمَا قِيلَ: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 5] (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الَّذِي لَا يَمْتَنِعُ مِمَّا أَرَادَهُ مِنْ ضَلَالِ أَوْ هِدَايَةِ مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ بِهِ (الْحَكِيمُ)، فِي تَوْفِيقِهِ لِلْإِيمَانِ مَنْ وَفَّقَهُ لَهُ، وَهِدَايَتِهِ لَهُ مَنْ هَدَاهُ إِلَيْهِ، وَفِي إِضْلَالِهِ مَنْ أَضَلَّ عَنْهُ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَدْبِيرِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ}، أَيْ بِلُغَةِ قَوْمِهِ مَا كَانَتْ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ، لِيَتَّخِذَ بِذَلِكَ الْحُجَّةَ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِأَدِلَّتِنَا وَحُجَجِنَا مِنْ قَبْلِكَ يَا مُحَمَّدُ، كَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَى قَوْمِكَ بِمِثْلِهَا مِنَ الْأَدِلَّةِ وَالْحُجَجِ، كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ح وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْأَشْيَبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ح وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا} قَالَ: بِالْبَيِّنَاتِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا} قَالَ: التِّسْعُ الْآيَاتِ، الطُّوفَانُ وَمَا مَعَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا} قَالَ: التِّسْعُ الْبَيِّنَاتُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. وَقَوْلُهُ: {أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، كَمَا أَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ، يَا مُحَمَّدُ، هَذَا الْكِتَابَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: {أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، أَنِ ادْعُهُمْ، مِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى، وَمِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ، كَمَا:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} يَقُولُ: مِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ. وَقَوْلُهُ: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِظْهُمْ بِمَا سَلَفَ مِنْ نُعْمَى عَلَيْهِمْ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي خَلَتْ فَاجْتُزِئَ بِذِكْرِ "الْأَيَّامِ " مِنْ ذِكْرِ النِّعَمِ الَّتِي عَنَاهَا؛ لِأَنَّهَا أَيَّامٌ كَانَتْ مَعْلُومَةً عِنْدَهُمْ، أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِيهَا نِعَمًا جَلِيلَةً، أَنْقَذَهُمْ فِيهَا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ بَعْدَ مَا كَانُوا فِيمَا كَانُوا [فِيهِ] مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ، وَغَرَّقَ عَدُوَّهُمْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، وَأَوْرَثَهُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: مَعْنَاهُ: خَوَّفَهُمْ بِمَا نَـزَلَ بِعَادٍ وَثَمُودَ وَأَشْبَاهِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ، وَبِالْعَفْوِ عَنِ الْآخَرِينَ: قَالَ: وَهُوَ فِي الْمَعْنَى كَقَوْلِكَ: "خُذْهُمْ بِالشِّدَّةِ وَاللِّينِ ". وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: قَدْ وَجَدْنَا لِتَسْمِيَةِ النِّعَمِ بِالْأَيَّامِ شَاهِدًا فِي كَلَامِهِمْ. ثُمَّ اسْتَشْهَدَ لِذَلِكَ بِقَوْلِ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ: وَأَيَّـامٍ لَنَـا غُـرٍّ طِـوَالٍ *** عَصَيْنَـا الْمَلْـكَ فِيهَـا أَنْ نَدِينَـا وَقَالَ: فَقَدْ يَكُونُ إِنَّمَا جَعَلَهَا غُرًّا طِوَالًا لِإِنْعَامِهِمْ عَلَى النَّاسِ فِيهَا. وَقَالَ: فَهَذَا شَاهِدٌ لِمَنْ قَالَ: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} بِنِعَمِ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ تَسْمِيَتُهَا غُرًّا، لِعُلُوِّهِمْ عَلَى الْمَلِكِ وَامْتِنَاعِهِمْ مِنْهُ، فَأَيَّامُهُمْ غُرٌّ لَهُمْ، وَطِوَالٌ عَلَى أَعْدَائِهِمْ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلَيْسَ لِلَّذِي قَالَ هَذَا الْقَوْلَ، مِنْ أَنَّ فِي هَذَا الْبَيْتِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ "الْأَيَّامَ "مَعْنَاهَا النِّعَمُ، وَجْهٌ. لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ كُلْثُومٍ إِنَّمَا وَصَفَ مَا وَصَفَ مِنَ الْأَيَّامِ بِأَنَّهَا "غُرٌّ "، لِعِزِّ عَشِيرَتِهِ فِيهَا، وَامْتِنَاعِهِمْ عَلَى الْمَلِكِ مِنَ الْإِذْعَانِ لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ النَّاسِ: " مَا كَانَ لِفُلَانٍ قَطُّ يَوْمٌ أَبْيَضُ "، يَعْنُونَ بِذَلِكَ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمٌ مَذْكُورٌ بِخَيْرٍ. وَأَمَّا وَصْفُهُ إِيَّاهَا بِالطُّولِ، فَإِنَّهَا لَا تُوصَفُ بِالطُّولِ إِلَّا فِي حَالِ شِدَّةٍ، كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ: كِـلِينِي لِهَـمٍّ يَـا أُمَيْمَـةُ نَـاصِبِ *** وَلَيْـلٍ أُقَاسِـيهِ بَطِـيءِ الْكَـوَاكِبِ فَإِنَّمَا وَصَفَهَا عَمْرٌو بِالطُّولِ، لِشِدَّةِ مَكْرُوهِهَا عَلَى أَعْدَاءِ قَوْمِهِ. وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ غَيْرُ مَا قُلْتُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ}، قَالَ: بِأَنْعُمِ اللَّهِ. حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ}، قَالَ: بِنِعَمِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبِيدٍ الْمُكْتِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْثَرُ، عَنْ حَصِينٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى ح وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {بِأَيَّامِ اللَّهِ} قَالَ: بِنِعَمِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} قَالَ: بِالنِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِمْ، أَنْجَاهُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَفَلَقَ لَهُمُ الْبَحْرَ، وَظَلَّلَ عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ، وأَنْـزَلَ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} قَالَ: بِنِعَمِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} يَقُولُ: ذَكِّرْهُمْ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} قَالَ: بِنِعَمِ اللَّهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} قَالَ: أَيَّامُهُ الَّتِي انْتَقَمَ فِيهَا مِنْ أَهْلِ مَعَاصِيهِ مِنَ الْأُمَمِ خَوَّفَهُمْ بِهَا، وَحَذَّرَهُمْ إِيَّاهَا، وَذَكَّرَهُمْ أَنْ يُصِيبَهُمْ مَا أَصَابَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. «عَنْ أُبِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ}، قَالَ: نِعَمُ اللَّهِ». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَوْ غَيْرِهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} قَالَ: بِنِعَمِ اللَّهِ. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}، يَقُولُ: إِنَّ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي سَلَفَتْ بِنِعَمِي عَلَيْهِمْ يَعْنِي عَلَى قَوْمِ مُوسَى (لِآيَاتٍ)، يَعْنِي: لَعِبَرًا وَمَوَاعِظَ {لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}: يَقُولُ: لِكُلِّ ذِي صَبْرٍ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَشُكْرٍ لَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ مِنْ نِعَمِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} قَالَ: نَعِمَ الْعَبْدُ عَبْدٌ إِذَا ابْتُلِي صَبَرَ، وَإِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاذْكُرْ، يَا مُحَمَّدُ، إِذْ قَالَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ لِقَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}، الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكُمْ {إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ}، يَقُولُ: حِينَ أَنْجَاكُمْ مِنْ أَهْلِ دِينِ فِرْعَوْنَ وَطَاعَتِهِ {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}، أَيْ يُذِيقُونَكُمْ شَدِيدَ الْعَذَابِ {وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ}، مَعَ إذاقَتِهِمَ إِيَّاكُمْ شَدِيدَ الْعَذَابِ [يُذَبِّحُونَ] أَبْنَاءَكُمْ. وَأُدْخِلَتِ الْوَاوُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ: {وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ}، الْخَبَرُ عَنْ أَنْ آلَ فِرْعَوْنَ كَانُوا يُعَذِّبُونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعَذَابِ غَيْرِ التَّذْبِيحِ وَبِالتَّذْبِيحِ. وَأَمَّا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنَ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ جَاءَ بِغَيْرِ الْوَاوِ: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 49]، فِي مَوْضِعٍ، وَفِي مَوْضِعٍ {يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 141]، وَلَمْ تَدْخُلِ الْوَاوُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَمْ تَدْخُلْ فِيهَا لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ: (يُذَبِّحُونَ)، وَبِقَوْلِهِ: (يُقَتِّلُونَ)، تَبْيِينُهُ صِفَاتِ الْعَذَابِ الَّذِي كَانُوا يَسُومُونَهُمْ. وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ فِي كُلِّ جُمْلَةٍ أُرِيدَ تَفْصِيلُهَا، فَبِغَيْرِ الْوَاوِ تَفْصِيلُهَا، وَإِذَا أُرِيدَ الْعَطْفُ عَلَيْهَا بِغَيْرِهَا وَغَيْرِ تَفْصِيلِهَا فَبِالْوَاوِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}، أَيَادِيَ اللَّهِ عِنْدَكُمْ وَأَيَّامَهُ. وَقَوْلُهُ: {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ}، يَقُولُ: وَيُبْقُونَ نِسَاءَكُمْ فَيَتْرُكُونَ قَتْلَهُنَّ، وَذَلِكَ اسْتِحْيَاؤُهُمْ كَانَ إِيَّاهُنَّ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَمَعْنَاهُ: يَتْرُكُونَهُمْ وَالْحَيَاةَ، وَمِنْهُ الْخَبَرُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «اقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ وَاسْتَحْيُوا شَرْخَهُم»، بِمَعْنَى: اسْتَبْقُوهُمْ فَلَا تَقْتُلُوهُمْ. {وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}، يَقُولُ تَعَالَى: وَفِيمَا يَصْنَعُ بِكُمْ آلُ فِرْعَوْنَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ، بَلَاءٌ لَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ، أَيِ ابْتِلَاءٌ وَاخْتِبَارٌ لَكُمْ، مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ. وَقَدْ يَكُونُ "الْبَلَاءُ "، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَعْمَاءَ، وَيَكُونُ: مِنَ الْبَلَاءِ الَّذِي يُصِيبُ النَّاسَ مِنَ الشَّدَائِدِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاذْكُرُوا أَيْضًا حِينَ آذَنَكُمْ رَبُّكُمْ. وَ "تَأْذَّنُ "، "تَفَعَّلَ "مَنْ "آذَنَ ". وَالْعَرَبُ رُبَّمَا وَضَعَتْ "تَفَعَّل" مَوْضِعَ "أَفْعَلَ "، كَمَا قَالُوا: "أَوْعَدْتُه" "وَتَوَعَّدْتُهُ "، بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَ"آذَنَ "، أَعْلَمَ، كَمَا قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ: آذَنَتْنَـا بِبَيْنِهَـا أَسْـمَاءُ *** رُبَّ ثَـاوٍ يُمَـلُّ مِنْـهُ الثَّـوَاءُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: " آذَنَتْنَـا "، أَعْلَمَتْنَا. وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ}: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكُمْ ":- حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ}، وَإِذْ قَالَ رَبُّكُمْ، ذَلِكَ "التَّأَذُّنُ ". وَقَوْلُهُ: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، يَقُولُ: لَئِنْ شَكَرْتُمْ رَبَّكُمْ، بِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ، لَأَزِيدَنَّكُمْ فِي أَيَادِيهِ عِنْدَكُمْ وَنِعَمِهِ عَلَيْكُمْ، عَلَى مَا قَدْ أَعْطَاكُمْ مِنَ النَّجَاةِ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَالْخَلَاصِ مِنْ عَذَابِهِمْ. وَقِيلَ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ غَيْرُهُ، وَهُوَ مَا:- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ صَالِحٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، قَالَ: أَيْ مِنْ طَاعَتِي. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ صَالِحٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، قَالَ: مِنْ طَاعَتِي. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، قَالَ: مِنْ طَاعَتِي. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْقَوْلِ يُفْهَمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لِلطَّاعَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ذِكْرٌ فَيُقَالُ: إِنْ شَكَرْتُمُونِي عَلَيْهَا زِدْتُكُمْ مِنْهَا، وَإِنَّمَا جَرَى ذِكْرُ الْخَبَرِ عَنْ إِنْعَامِ اللَّهِ عَلَى قَوْمِ مُوسَى بِقَوْلِهِ: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَهُمْ إِنْ شَكَرُوهُ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ زَادَهُمْ. فَالْوَاجِبُ فِي الْمَفْهُومِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ: زَادَهُمْ مِنْ نِعَمِهِ، لَا مِمَّا لَمَّ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ مِنَ "الطَّاعَةِ "، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهِ: لَئِنْ شَكَرْتُمْ فَأَطَعْتُمُونِي بِالشُّكْرِ، لَأَزِيدَنَّكُمْ مِنْ أَسْبَابِ الشُّكْرِ مَا يُعِينُكُمْ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ وَجْهًا.
وَقَوْلُهُ: {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}، يَقُولُ: وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ، أَيُّهَا الْقَوْمُ، نِعْمَةَ اللَّهِ، فَجَحَدْتُمُوهَا بِتُرْكِ شُكْرِهِ عَلَيْهَا وَخِلَافِهِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَرُكُوبِكُمْ مَعَاصِيهِ {إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}، أُعَذِّبُكُمْ كَمَا أُعَذِّبُ مَنْ كَفَرَ بِي مِنْ خَلْقِي. وَكَانَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ يَقُولُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ}، وَتَأَذَّنَ رَبُّكُمْ: وَيَقُولُ: "إِذْ " مِنْ حُرُوفِ الزَّوَائِدِ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى فَسَادِ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ: إِنْ تَكْفُرُوا، أَيُّهَا الْقَوْمُ، فَتَجْحَدُوا نِعْمَةَ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ، أَنْتُمْ وَيَفْعَلُ فِي ذَلِكَ مِثْلَ فِعْلِكُمْ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا {فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ} عَنْكُمْ وَعَنْهُمْ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ، لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى شُكْرِكُمْ إِيَّاهُ عَلَى نِعَمِهِ عِنْدَ جَمِيعِكُمْ (حَمِيدٌ)، ذُو حَمْدٍ إِلَى خَلْقِهِ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ، كَمَا:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَيْفٌ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَلِيٍّ: {فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ}، قَالَ: غَنِيٌّ عَنْ خَلْقِهِ (حَمِيدٌ)، قَالَ: مُسْتَحْمِدٌ إِلَيْهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ مُوسَى لِقَوْمِهِ: يَا قَوْم {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}، يَقُولُ: خَبَّرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي مَضَتْ قَبْلَكُمْ {قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ}، وَقَوْمُ نُوحٍ مُبَيَّنٌ بِهِمْ عَنِ "الَّذِينَ "، وَ" عَادٍ "مَعْطُوفٌ بِهَا عَلَى" قَوْمِ نُوحٍ "، {وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ}، يَعْنِي مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ {لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ}، يَقُولُ: لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ وَلَا يَعْلَمُ مَبْلَغَهُمْ إِلَّا اللَّهُ، كَمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ: {وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ}، قَالَ: كَذَبَ النَّسَّابُونَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، بِمِثْلِ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: "وَعَادًا وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ "، ثُمَّ يَقُولُ: كَذَبَ النَّسَّابُونَ. حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ. وَقَوْلُهُ: {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ}، يَقُولُ: جَاءَتْ هَؤُلَاءِ الْأُمَمَ رُسُلُهُمُ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ بِدُعَائِهِمْ إِلَى إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ "بِالْبَيِّنَاتِ "، يَعْنِي بِحُجَجٍ وَدَلَالَاتٍ عَلَى حَقِيقَةٍ مَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ مِنْ مُعْجِزَاتٍ. وَقَوْلُهُ: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}، اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَعَضُّوا عَلَى أَصَابِعِهِمْ، تَغَيُّظًا عَلَيْهِمْ فِي دُعَائِهِمْ إِيَّاهُمْ إِلَى مَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}، قَالَ: عَضُّوا عَلَيْهَا تَغَيُّظًا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}، قَالَ: غَيْظًا، هَكَذَا، وَعَضَّ يَدَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}، قَالَ: عَضُّوهَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}، قَالَ: عَضُّوا عَلَى أَصَابِعِهِمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}، قَالَ: عَضُّوا عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}، قَالَ: أَنْ يَجْعَلَ إِصْبَعَهُ فِي فِيهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}، وَوَضَعَ شُعْبَةُ أَطْرَافَ أَنَامِلِهِ الْيُسْرَى عَلَى فِيهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}، قَالَ: هَكَذَا، وَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ فِي فِيهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَنْبَأَنَا عَنْ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: وَأَرَانَا عَفَّانُ، وَأَدْخَلَ أَطْرَافَ أَصَابِعِ كَفِّهِ مَبْسُوطَةً فِي فِيهِ، وَذُكِرَ أَنَّ شُعْبَةَ أَرَاهُ كَذَلِكَ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَإِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}، قَالَ: عَضُّوا عَلَى أَنَامِلِهِمْ. وَقَالَ سُفْيَانُ: عَضُّوا غَيْظًا. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}، فَقَرَأَ: " {عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} " [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 119]، قَالَ: هَذَا، {رَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}. قَالَ: أَدْخَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ. وَقَالَ: إِذَا اغْتَاظَ الْإِنْسَانُ عَضَّ يَدَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا كِتَابَ اللَّهِ عَجِبُوا مِنْهُ، وَوَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}، قَالَ: لِمَا سَمِعُوا كِتَابَ اللَّهِ عَجِبُوا وَرَجَعُوا بِأَيْدِيهِمْ إِلَى أَفْوَاهِهِمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَذَّبُوهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ح وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}، قَالَ: رَدُّوا عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ وَكَذَّبُوهُمْ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}، يَقُولُ: قَوْمُهُمْ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ مَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ، وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ بِأَفْوَاهِهِمْ، وَقَالُوا: إِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}، قَالَ: رَدُّوا عَلَى الرُّسُلِ مَا جَاءَتْ بِهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكَأَنَّ مُجَاهِدًا وَجَّهَ قَوْلَهُ: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}، إِلَى مَعْنَى: رَدُّوا أَيَادِيَ اللَّهِ الَّتِي لَوْ قَبِلُوهَا كَانَتْ أَيَادِيَ وَنِعَمًا عِنْدَهُمْ، فَلَمْ يَقْبَلُوهَا وَوَجَّهَ قَوْلَهُ: {فِي أَفْوَاهِهِمْ}، إِلَى مَعْنَى: بِأَفْوَاهِهِمْ، يَعْنِي: بِأَلْسِنَتِهِمُ الَّتِي فِي أَفْوَاهِهِمْ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ سَمَاعًا: " أَدْخَلَكَ اللَّهُ بِالْجَنَّةِ "، يَعْنُونَ: فِي الْجَنَّةِ، وَيُنْشِدُ هَذَا الْبَيْتَ وَأَرْغَـبُ فِيهَـا عَـنْ لَقِيـطٍ وَرَهْطِـهِ *** وَلَكِـنَّنِي عَـنْ سِـنْبِسٍ لَسْـتُ أَرْغَبُ يُرِيدُ: وَأَرْغَبُ بِهَا، يَعْنِي بِابْنَةٍ لَهُ، عَنْ لَقِيطٍ، وَلَا أَرْغَبُ بِهَا عَنْ قَبِيلَتِي. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِ الرُّسُلِ رَدًّا عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ، وَتَكْذِيبًا لَهُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: هَذَا مَثَلٌ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ أَنَّهُمْ كَفُّوا عَمَّا أُمِرُوا بِقَوْلِهِ مِنَ الْحَقِّ، وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَلَمْ يُسْلِمُوا. وَقَالَ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَمْسَكَ عَنِ الْجَوَابِ فَلَمْ يُجِبْ: "رَدَّ يَدَهُ فِي فَمِهِ ". وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: " كَلَّمْتُ فُلَانًا فِي حَاجَةٍ فَرَدَّ يَدَهُ فِي فِيهِ "، إِذَا سَكَتَ عَنْهُ فَلَمْ يُجِبْ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا أَيْضًا قَوْلٌ لَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ، قَدْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: " {إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} "، فَقَدْ أَجَابُوا بِالتَّكْذِيبِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:- وَأَشْبَهُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُمْ رَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ، فَعَضُّوا عَلَيْهَا، غيظًا عَلَى الرُّسُلِ، كَمَا وَصَفَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ بِهِ إِخْوَانَهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 119]. فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ الْمَعْرُوفُ وَالْمَعْنَى الْمَفْهُومُ مِنْ "رَدِّ الْيَدِ إِلَى الْفَمِ ". وَقَوْلُهُ: {وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ}، يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: وَقَالُوا لِرُسُلِهِمْ: إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أَرْسَلَكُمْ بِهِ مَنْ أَرْسَلَكُمْ، مِنَ الدُّعَاءِ إِلَى تَرْكِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ {وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ} مِنْ حَقِيقَةِ مَا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ (مُرِيبٍ)، يَقُولُ: يُرِيبُنَا ذَلِكَ الشَّكُّ، أَيْ يُوجِبُ لَنَا الرِّيبَةَ وَالتُّهْمَةَ فِيهِ. يُقَالُ مِنْهُ: " أَرَابَ الرَّجُلُ "، إِذَا أَتَى بِرِيبَةٍ، "يُرِيبُ إِرَابَةً ".
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتْ رُسُلُ الْأُمَمِ الَّتِي أَتَتْهَا رُسُلُهَا: (أَفِي اللَّهِ)، أَنَّهُ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ، الْأُلُوهَةَ وَالْعِبَادَةَ دُونَ جَمِيعِ خَلْقِهِ (شَكٌّ) وَقَوْلُهُ: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، يَقُولُ: خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ {يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ}، يَقُولُ: يَدْعُوكُمْ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ {لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ}، يَقُولُ: فَيَسْتُرُ عَلَيْكُمْ بَعْضَ ذُنُوبِكُمْ بِالْعَفْوِ عَنْهَا، فَلَا يُعَاقِبُكُمْ عَلَيْهَا، (وَيُؤَخِّرُكُمْ)، يَقُولُ: وَيُنْسِئُ فِي آجَالِكُمْ، فَلَا يُعَاقِبُكُمْ فِي الْعَاجِلِ فَيُهْلِكُكُمْ، وَلَكِنْ يُؤَخِّرُكُمْ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي كُتِبَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ أَنَّهُ يَقْبِضُكُمْ فِيهِ، وَهُوَ الْأَجَلُ الَّذِي سَمَّى لَكُمْ. فَقَالَتِ الْأُمَمُ لَهُمْ: (إِنْ أَنْتُمْ)، أَيُّهَا الْقَوْمُ (إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا)، فِي الصُّورَةِ وَالْهَيْئَةِ، وَلَسْتُمْ مَلَائِكَةً، وَإِنَّمَا تُرِيدُونَ بِقَوْلِكُمْ هَذَا الَّذِي تَقُولُونَ لَنَا {أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا}، يَقُولُ: إِنَّمَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصْرِفُونَا بِقَوْلِكُمْ عَنْ عِبَادَةِ مَا كَانَ يَعْبُدُهُ مِنَ الْأَوْثَانِ آبَاؤُنَا {فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}، يَقُولُ: فَأْتُونَا بِحُجَّةٍ عَلَى مَا تَقُولُونَ تُبَيِّنُ لَنَا حَقِيقَتَهُ وَصِحَّتَهُ، فَنَعْلَمَ أَنَّكُمْ فِيمَا تَقُولُونَ مُحِقُّونَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتِ الْأُمَمُ الَّتِي أَتَتْهُمُ الرُّسُلُ رُسُلُهُمْ: {إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}، صَدَقْتُمْ فِي قَوْلِكُمْ، إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا، فَمَا نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، إِنْسٌ مِثْلُكُمْ {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}، يَقُولُ: وَلَكِنَّ اللَّهَ يَتَفَضَّلُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مَنْ خَلْقِهِ، فَيَهْدِيهِ وَيُوَفِّقُهُ لِلْحَقِّ، وَيُفَضِّلُهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِهِ {وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ}، يَقُولُ: وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِحُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ عَلَى مَا نَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ (إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)، يَقُولُ: إِلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ لَنَا بِذَلِكَ {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، يَقُولُ: وَبِاللَّهِ فَلْيَثِقْ بِهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَأَطَاعَهُ، فَإِنَّا بِهِ نَثِقُ، وَعَلَيْهِ نَتَوَكَّلُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}، قَالَ: "السُّلْطَانُ الْمُبِينُ "، الْبُرْهَانُ وَالْبَيِّنَةُ. وَقَوْلُهُ: {مَا لَمْ يُنَـزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 151، سُورَةُ الْأَعْرَافِ: سُورَةُ الْحَجِّ: 71]، قَالَ: بَيِّنَةً وَبُرْهَانًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ الرُّسُلِ لِأُمَمِهَا: {وَمَا لَنَا أَنْ لَا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ}، فَنَثِقَ بِهِ وَبِكِفَايَتِهِ وَدِفَاعِهِ إِيَّاكُمْ عَنَّا {وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا}، يَقُولُ: وَقَدْ بَصَّرَنَا طَرِيقَ النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِهِ، فَبَيَّنَ لَنَا {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا}، فِي اللَّهِ وَعَلَى مَا نَلْقَى مِنْكُمْ مِنَ الْمَكْرُوهِ فِيهِ بِسَبَبِ دُعَائِنَا لَكُمْ إِلَى مَا نَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ، مِنَ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}، يَقُولُ: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ مَنْ كَانَ بِهِ وَاثِقًا مِنْ خَلْقِهِ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ بِهِ كَافِرًا فَإِنَّ وَلِيَّهُ الشَّيْطَانُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ لِرُسُلِهِمُ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ، حِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ، وَفِرَاقِ عِبَادَةِ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ {لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا}، يَعْنُونَ: مِنْ بِلَادِنَا فَنَطْرُدُكُمْ عَنْهَا {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا}، يَعْنُونَ: إِلَّا أَنْ تَعُودُوا فِي دِينِنَا الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ. وَأُدْخِلَتْ فِي قَوْلِهِ: (لَتَعُودُنَّ) "لَامٌ "، وَهُوَ فِي مَعْنَى شَرْطٍ، كَأَنَّهُ جَوَابٌ لِلْيَمِينِ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا، أَوْ تَعُودُونَ فِي مِلَّتِنَا. وَمَعْنَى "أَوْ "هَهُنَا مَعْنَى "إِلَّا" أَوْ مَعْنَى "حَتَّى "كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: " لَأَضْرِبَنَّكَ أَوْ تُقِرَّ لِي "، فَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ مَا بَعْدَ "أَوْ "فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ، إِنْ كَانَ مَا قَبْلَهُ جَزْمًا جَزَمُوهُ، وَإِنْ كَانَ نَصْبًا نَصَبُوهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ "لَام" جَعَلُوا فِيهِ "لَامًا "، إِذْ كَانَتْ "أَوْ "حَرْفَ نَسَقٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْصِبُ "مَا" بَعْدَ "أَوْ "بِكُلِّ حَالٍ، لِيُعْلَمَ بِنَصْبِهِ أَنَّهُ عَنِ الْأَوَّلِ مُنْقَطِعٌ عَمَّا قَبْلَهُ، كَمَا قَالَ امْرُؤ الْقَيْسِ: بَكَـى صَـاحِبِي لَمَّـا رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ *** وَأَيْقَـنَ أَنَّـا لَاحِقَـانِ بِقَيْصَـرَا فَقُلْتُ لَـهُ: لَا تَبْـكِ عَيْنُـكَ إِنَّمَـا *** نُحَـاوِلُ مُلْكًـا أَوْ نَمُـوتَ فَنُعْـذَرَا فَنَصَبَ "نَمُوتَ فَنُعْـذَرَا " وَقَدْ رَفَعَ "نُحَاوِلُ "؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ مَعْنَى: إِلَّا أَنْ نَمُوتَ، أَوْ حَتَّى نَمُوتَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ: لَا أَسْـتَطِيعُ نزوعًـا عَـنْ مَوَدَّتِهَـا *** أَوْ يَصْنَـعَ الْحُـبُّ بِي غَيْرَ الَّذِي صَنَعَا وَقَوْلُهُ: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ}، الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، فَأَوْجَبُوا لَهَا عِقَابَ اللَّهِ بِكُفْرِهِمْ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قِيلَ لَهُمْ: "الظَّالِمُونَ " لِعِبَادَتِهِمْ مَنْ لَا تَجُوزُ عِبَادَتُهُ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْآلِهَةِ، فَيَكُونَ بِوَضْعِهِمُ الْعِبَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، إِذْ كَانَ ظُلْمًا، سُمُّوا بِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: {وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ}، هَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ مَنْ وَعَدَ مِنْ أَنْبِيَائِهِ النَّصْرَ عَلَى الْكَفَرَةِ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ. يَقُولُ: لِمَا تَمَادَتْ أُمَمُ الرُّسُلِ فِي الْكُفْرِ، وَتَوَعَّدُوا رُسُلَهُمْ بِالْوُقُوعِ بِهِمْ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمْ بِإِهْلَاكِ مَنْ كَفَرَ بِهِمْ مِنْ أُمَمِهِمْ وَوَعَدَهُمُ النَّصْرَ. وَكُلُّ ذَلِكَ كَانَ مِنَ اللَّهِ وَعِيدًا وَتَهَدُّدًا لِمُشْرِكِي قَوْمِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُفْرِهِمْ بِهِ، وَجُرْأَتِهِمْ عَلَى نَبِيِّهِ، وَتَثْبِيتًا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمْرًا لَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا لَقِيَ مِنَ الْمَكْرُوهِ فِيهِ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِهِ، كَمَا صَبَرَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ مِنْ رُسُلِهِ وَمُعَرِّفَهَ أَنَّ عَاقِبَةَ أَمْرِ مَنْ كَفَرَ بِهِ الْهَلَاكُ، وَعَاقَبْتَهُ النَّصْرُ عَلَيْهِمْ، سُنَّةُ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ}، قَالَ: وَعَدَهُمُ النَّصْرَ فِي الدُّنْيَا، وَالْجَنَّةَ فِي الْآخِرَةِ. وَقَوْلُهُ: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ}، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: هَكَذَا فِعْلِي لِمَنْ خَافَ مَقَامَهُ بَيْنَ يَدِيَّ، وَخَافَ وَعِيدِي فَاتَّقَانِي بِطَاعَتِهِ، وَتَجَنَّبَ سُخْطِي، أَنْصُرْهُ عَلَى مَا أَرَادَ بِهِ سُوءًا وَبَغَاهُ مَكْرُوهًا مِنْ أَعْدَائِي، أُهْلِكُ عَدُوَّهُ وَأُخْزِيهِ، وَأُورِثُهُ أَرْضَهُ وَدِيَارَهُ. وَقَالَ: {لِمَنْ خَافَ مَقَامِي}، وَمَعْنَاهُ مَا قُلْتُ مِنْ أَنَّهُ لِمَنْ خَافَ مَقَامَهُ بَيْنَ يَدَيَّ بِحَيْثُ أُقِيمُهُ هُنَالِكَ لِلْحِسَابِ، كَمَا قَالَ: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [سُورَةُ الْوَاقِعَةِ: 82]، مَعْنَاهُ: وَتَجْعَلُونَ رِزْقِي إِيَّاكُمْ أَنَّكُمْ تَكْذِبُونَ. وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تُضِيفُ أَفْعَالَهَا إِلَى أَنْفُسِهَا، وَإِلَى مَا أُوقِعَتْ عَلَيْهِ، فَتَقُولُ: "قَدْ سُرِرْتُ بِرُؤْيَتِكَ، وَبِرُؤْيَتِي إِيَّاكَ "، فَكَذَلِكَ ذَلِكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاسْتَفْتَحَتِ الرُّسُلُ عَلَى قَوْمِهَا: أَيِ اسْتَنْصَرَتِ اللَّهَ عَلَيْهَا {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}، يَقُولُ: هَلَكَ كُلُّ مُتَكَبِّرٍ جَائِرٍ حَائِدٍ عَنِ الْإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ. وَ "الْعَنِيدُ "وَ "العَانِد" وَ "العَنُودُ "، بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَمِنَ "الْجَبَّارِ "، تَقُولُ: هُوَ جَبَّارٌ بَيِّنُ الْجَبَريَّةِ، وَالْجَبْرِيَّةِ، والْجَبَرُوَّةِ، والْجَبْرُوَّةِ، وَالْجَبَرُوتِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَاسْتَفْتَحُوا}، قَالَ: الرُّسُلُ كُلُّهَا. يَقُولُ: اسْتَنْصَرُوا (عَنِيدٍ)، قَالَ مُعَانِدٍ لِلْحَقِّ مَجَانِبِهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ح وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَاسْتَفْتَحُوا}، قَالَ: الرُّسُلُ كُلُّهَا اسْتَنْصَرُوا {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}، قَالَ: مُعَانِدٌ لِلْحَقِّ مَجَانِبِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: اسْتَفْتَحُوا عَلَى قَوْمِهِمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى.. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}، قَالَ: كَانَتِ الرُّسُلُ وَالْمُؤْمِنُونَ يَسْتَضْعِفُهُمْ قَوْمُهُمْ، وَيَقْهَرُونَهُمْ وَيُكَذِّبُونَهُمْ، وَيَدْعُونَهُمْ إِلَى أَنْ يَعُودُوا فِي مِلَّتِهِمْ، فَأَبَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرُسُلِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعُودُوا فِي مِلَّةِ الْكُفْرِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ، وَأَمْرَهُمْ أَنْ يَسْتَفْتِحُوا عَلَى الْجَبَابِرَةِ، وَوَعَدَهُمْ أَنْ يُسْكِنَهُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَأَنْجَزَ اللَّهُ لَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ، وَاسْتَفْتَحُوا كَمَا أَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَفْتِحُوا، {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}، قَالَ: هُوَ النَّاكِبُ عَنِ الْحَقِّ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، عَنْ بِشْرٍ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}، قَالَ: النَّاكِبُ عَنِ الْحَقِّ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَاسْتَفْتَحُوا}، يَقُولُ: اسْتَنْصَرَتِ الرُّسُلُ عَلَى قَوْمِهَا قَوْلُهُ: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}، وَ "الجَبَّارُ الْعَنِيدُ ": الَّذِي أَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَاسْتَفْتَحُوا}، قَالَ: اسْتَنْصَرَتِ الرُّسُلُ عَلَى قَوْمِهَا {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}، يَقُولُ: عَنِيدٌ عَنِ الْحَقِّ، مُعْرِضٌ عَنْهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ- وَزَادَ فِيهِ: مُعْرِضٌ، أَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}، قَالَ: "الْعَنِيدُ عَنِ الْحَقِّ "، الَّذِي يَعْنِدُ عَنِ الطَّرِيقِ، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ: "شَرُّ الْأَهْلِ الْعَنِيد" الَّذِي يَخْرُجُ عَنِ الطَّرِيقِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}، قَالَ: "الْجَبَّارُ ": الْمُتَجَبِّرُ. وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَاسْتَفْتَحُوا}، خِلَافَ قَوْلِ هَؤُلَاءِ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا اسْتَفْتَحَتِ الْأُمَمُ، فَأُجِيبَتْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَاسْتَفْتَحُوا}، قَالَ: اسْتِفْتَاحُهُمْ بِالْبَلَاءِ، قَالُوا: اللَّهُمَّ إِنَّ كَانَ هَذَا الَّذِي أَتَى بِهِ مُحَمَّدٌ هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ، كَمَا أَمْطَرْتَهَا عَلَى قَوْمِ لُوطٍ، أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. قَالَ: كَانَ اسْتِفْتَاحُهُمْ بِالْبَلَاءِ كَمَا اسْتَفْتَحَ قَوْمُ هُودٍ: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 70] قَالَ: فَالِاسْتِفْتَاحُ الْعَذَابُ، قَالَ: قِيلَ لَهُمْ: إِنَّ لِهَذَا أَجَلًا! حِينَ سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُنْـزِلَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: " بَلْ نُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ". فَقَالُوا: لَا نُرِيدُ أَنْ نُؤَخِّرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: {رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} عَذَابَنَا {قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [سُورَةُ ص: 16]. وَقَرَأَ: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} حَتَّى بَلَغَ: {وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ:-].
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: {مِنْ وَرَائِهِ}، مِنْ أَمَامِ كُلِّ جَبَّارٍ (جَهَنَّمُ)، يَرِدُونَهَا. وَ "وَرَاءِ " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، يَعْنِي أَمَامَ، كَمَا يُقَالُ: "إِنَّ الْمَوْتَ مِنْ وَرَائِكَ "، أَيْ قُدَّامَكَ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: أَتُوعِـدُنِي وَرَاءَ بَنِـي رِيَـاحٍ *** كَـذَبْتَ لَتَقْصُـرَنَّ يَـدَاكَ دُونِـي يَعْنِي: "وَرَاءَ بَنِي رِيَاحٍ "، قُدَّامَ بَنِي رِيَاحٍ وَأَمَامَهُمْ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: إِنَّمَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ: {مِنْ وَرَائِهِ}، أَيْ مِنْ أَمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ وَرَاءَ مَا هُوَ فِيهِ، كَمَا يَقُولُ لَكَ: "وَكُلُّ هَذَا مِنْ وَرَائِكَ ": أَيْ سَيَأْتِي عَلَيْكَ، وَهُوَ مِنْ وَرَاءِ مَا أَنْتَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا أَنْتَ فِيهِ قَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ وَرَائِهِ. وَقَالَ: {وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 79]، مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، أَيْ كَانَ وَرَاءَ مَا هُمْ فِيهِ أَمَامَهُمْ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي أَهْلِ الْكُوفَةِ يَقُولُ: أَكْثَرُ مَا يَجُوزُ هَذَا فِي الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ يَمُرُّ عَلَيْكَ، فَيَصِيرُ خَلْفَكَ إِذَا جُزْتَهُ، وَكَذَلِكَ {كَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ}؛ لِأَنَّهُمْ يُجُوزُونَهُ فَيَصِيرُ وَرَاءَهُمْ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: هُوَ مِنْ حُرُوفِ الْأَضَّدَادِ، يَعْنِي "وَرَاءَ " يَكُونُ قُدَّامًا وَخَلْفًا. وَقَوْلُهُ: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ}، يَقُولُ: وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ الْمَاءَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَمَا هُوَ، فَقَالَ: هُوَ "صَدِيدٍ "، وَلِذَلِكَ رَدَّ "الصَّدِيدَ " فِي إِعْرَابِهِ عَلَى "الْمَاءِ "؛ لِأَنَّهُ بَيَانٌ عَنْهُ. وَ "الصَّدِيدُ "، هُوَ الْقَيْحُ وَالدَّمُ. وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ ح وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ}، قَالَ قَيْحٌ وَدَمٌ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ}، وَ "الصَّدِيدُ "، مَا يَسِيلُ مِنْ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ}، قَالَ: مَا يَسِيلُ مِنْ بَيْنِ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنِ الضَّحَّاكِ: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ}، قَالَ: يَعْنِي بِالصَّدِيدِ: مَا يَخْرُجُ مِنْ جَوْفِ الْكَافِرِ، قَدْ خَالَطَ الْقَيْحَ وَالدَّمَ. وَقَوْلُهُ: (يَتَجَرَّعُهُ)، يَتَحَسَّاهُ {وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ}، يَقُولُ: وَلَا يَكَادُ يَزْدَرِدُهُ مِنْ شِدَّةِ كَرَاهَتِهِ، وَهُوَ مُسِيغُهُ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ. وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ "لَا يَكَادُ "فِيمَا قَدْ فُعِلَ، وَفِيمَا لَمْ يُفْعَلْ. فَأَمَّا مَا قَدْ فُعِلَ، فَمِنْهُ هَذَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ جَعَلَ لَهُمْ ذَلِكَ شَرَابًا. وَأَمَّا مَا لَمْ يُفْعَلْ وَقَدْ دَخَلَتْ فِيهِ "كَاد" فَقَوْلُهُ: حَتَّى {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [سُورَةُ النُّورِ: 40]، فَهُوَ لَا يَرَاهَا. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ}، وَهُوَ يُسِيغُهُ، جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالَقَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، «عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ} فَإِذَا شَرِبَهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ»، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 15]، وَيَقُولُ: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 29]. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ}، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: (سُقُوا مَاءً حَمِيمًا). حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحِمْصِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ سَوَاءً. وَقَوْلُهُ: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ}، فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، وَمِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ أَعْضَاءِ جَسَدِهِ {وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ}؛ لِأَنَّهُ لَا تَخْرُجُ نَفْسُهُ فَيَمُوتَ فَيَسْتَرِيحَ، وَلَا يَحْيَا لِتَعَلُّقِ نَفْسِهِ بِالْحَنَاجِرِ، فَلَا تَرْجِعَ إِلَى مَكَانِهَا، كَمَا:- حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ}، قَالَ: تُعَلَّقُ نَفْسُهُ عِنْدَ حَنْجَرَتِهِ، فَلَا تَخْرُجُ مِنْ فِيهِ فَيَمُوتَ، وَلَا تَرْجِعُ إِلَى مَكَانِهَا مِنْ جَوْفِهِ، فَيَجِدَ لِذَلِكَ رَاحَةً، فَتَنْفَعَهُ الْحَيَاةُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَوْلُهُ: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ}، قَالَ: مِنْ تَحْتِ كُلِّ شَعَرَةٍ فِي جَسَدِهِ. وَقَوْلُهُ: {وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ}، يَقُولُ: وَمِنْ وَرَاءِ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ يَعْنِي أَمَامَهُ وَقُدَّامَهُ {عَذَابٌ غَلِيظٌ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي رَافِعِ "مَثَلُ ". فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: إِنَّمَا هُوَ كَأَنَّهُ قَالَ: وَمِمَّا نَقُصُّ عَلَيْكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا، ثُمَّ أَقْبَلَ يُفَسِّرُ، كَمَا قَالَ: (مَثَلُ الْجَنَّةِ) [سُورَةُ الرَّعْدِ: 35]، وَهَذَا كَثِيرٌ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ: إِنَّمَا الْمَثَلُ لِلْأَعْمَالِ، وَلَكِنَّ الْعَرَبَ تُقَدِّمُ الْأَسْمَاءَ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَفُ، ثُمَّ تَأْتِي بِالْخَبَرِ الَّذِي تُخْبِرُ عَنْهُ مَعَ صَاحِبِهِ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: مَثَلُ أَعْمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ كَرَمَادٍ، كَمَا قِيلَ: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 60]، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى وُجُوهَ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ مُسْوَّدَةً. قَالَ: وَلَوْ خَفْضَ "الْأَعْمَالَ "جَازَ، كَمَا قَالَ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 217]، وَقَوْلُهُ: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [سُورَةُ الرَّعْدِ: 35]. قَالَ: فَـ "تَجْرِي "، هُوَ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْ تَجْرِيَ، وَأَنْ يَكُونَ كَذَا وَكَذَا، فَلَوْ أَدْخَلَ "أَن" جَازَ. قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: ذَرِينِـي إِنَّ أَمْـرَكِ لَـنْ يُطَاعَـا *** وَمَـا أَلْفَيْتِنِـي حِـلْمِي مُضَاعَـا قَالَ: فَالْحِلْمُ مَنْصُوبٌ بِ "أَلْفَيْتِ " عَلَى التَّكْرِيرِ، قَالَ: وَلَوْ رَفَعَهُ كَانَ صَوَابًا. قَالَ: وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِأَعْمَالِ الْكُفَّارِ فَقَالَ: مَثَلُ أَعْمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ اللَّهَ بِهَا، مَثَلُ رَمَادٍ عَصَفَتِ الرِّيحُ عَلَيْهِ فِي يَوْمِ رِيحٍ عَاصِفٍ، فَنَسَفَتْهُ وَذَهَبَتْ بِهِ، فَكَذَلِكَ أَعْمَالُ أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَجِدُونَ مِنْهَا شَيْئًا يَنْفَعُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ فَيُنْجِيهِمْ مِنْ عَذَابِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْمَلُونَهَا لِلَّهِ خَالِصًا، بَلْ كَانُوا يُشْرِكُونَ فِيهَا الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ}، يَعْنِي أَعْمَالَهُمُ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا، الَّتِي يُشْرِكُونَ فِيهَا مَعَ اللَّهِ شُرَكَاءَ، هِيَ أَعْمَالٌ عُمِلَتْ عَلَى غَيْرِ هُدًى وَاسْتِقَامَةٍ، بَلْ عَلَى جَوْرٍ عَنِ الْهُدَى بَعِيدٍ، وَأَخْذٍ عَلَى غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ شَدِيدٍ. وَقِيلَ: {فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ}، فَوَصَفَ بِالْعُصُوفِ الْيَوْمَ، وَهُوَ مِنْ صِفَةِ الرِّيحِ؛ لِأَنَّ الرِّيحَ تَكُونُ فِيهِ، كَمَا يُقَالُ: "يَوْمٌ بَارِدٌ، وَيَوْمٌ حَارٌّ "؛ لِأَنَّ الْبَرْدَ وَالْحَرَارَةَ يَكُونَانِ فِيهِ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: يَوْمَيْنِ غَيْمَيْنِ وَيَوْمًا شَمْسًا *** فَوَصْفَ الْيَوْمَيْنِ بالْغَيْمَيْنِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْغَيْمُ فِيهِمَا. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهِ: فِي يَوْمٍ عَاصِفِ الرِّيحِ، فَحُذِفَتِ "الرِّيحُ "؛ لِأَنَّهَا قَدْ ذُكِرَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ نَظِيرَ قَوْلِ الشَّاعِرِ: إِذَا جَاءَ يَوْمٌ مُظْلِمُ الشَّمْسِ كَاسِفُ *** يُرِيدُ: كَاسِفَ الشَّمْسِ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ نَعْتِ "الرِّيحِ "خَاصَّةً، غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ بَعْدَ "الْيَوْم" أُتْبِعَ إِعْرَابَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تُتْبِعُ الْخَفْضَ الْخَفْضَ فِي النُّعُوتِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: تُـرِيكَ سُـنَّةَ وَجْـهٍ غَـيْرِ مُقْرِفَـةٍ *** مَلْسَـاءَ لَيْسَ بِهَـا خَـالٌ وَلَا نَـدَبُ فَخَفَضَ "غَيْرِ " إِتْبَاعًا لِإِعْرَابِ "الْوَجْهِ "، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ نَعْتِ "السُّنَّةِ "، وَالْمَعْنَى: سُنَّةَ وَجْهٍ غَيْرَ مُقْرِفَةٍ، وَكَمَا قَالُوا: "هَذَا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ ". وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ}، قَالَ: حَمَلَتْهُ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ}، يَقُولُ: الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَعَبَدُوا غَيْرَهُ، فَأَعْمَالُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِمْ يَنْفَعُهُمْ، كَمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى الرَّمَادِ إِذَا أُرْسِلَ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ. وَقَوْلُهُ: {ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ}، أَيِ الْخَطَأُ الْبَيِّنُ، الْبَعِيدُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ تَرَ، يَا مُحَمَّدُ، بِعَيْنِ قَلْبِكَ، فَتَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ أَنْشَأَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ مُنْفَرِدًا بِإِنْشَائِهَا بِغَيْرِ ظَهِيرٍ وَلَا مُعِينٍ {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ}، يَقُولُ: إِنَّ الَّذِي تَفَرَّدَ بِخَلْقِ ذَلِكَ وَإِنْشَائِهِ مِنْ غَيْرِ مُعِينٍ وَلَا شَرِيكٍ، إِنْ هُوَ شَاءَ أَنْ يُذْهِبَكُمْ فَيُفْنِيَكُمْ، أَذَهْبَكُمْ وَأَفْنَاكُمْ، وَيَأْتِ بِخَلْقٍ آخَرَ سِوَاكُمْ مَكَانَكُمْ، فَيُجَدِّدْ خَلْقَهُمْ {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}، يَقُولُ: وَمَا إِذْهَابُكُمْ وَإِفْنَاؤُكُمْ وَإِنْشَاءُ خَلْقٍ آخَرَ سِوَاكُمْ مَكَانَكُمْ، عَلَى اللَّهِ بِمُمْتَنِعٍ وَلَا مُتَعَذِّرٍ؛ لِأَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى مَا يَشَاءُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ}. فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (خَلَقَ) عَلَى "فَعَلَ ". وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: "خَالِقُ "، عَلَى "فَاعِلِ ". وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَئِمَّةٌ مِنَ الْقَرَأَةِ، مُتَقَارِبَتُا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا}، وَظَهَرَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قُبُورِهِمْ، فَصَارُوا بِالْبَرَازِ مِنَ الْأَرْضِ (جَمِيعًا)، يَعْنِي كُلَّهُمْ {فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا}، يَقُولُ: فَقَالَ التُّبَّاعُ مِنْهُمْ لِلْمَتْبُوعِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَسْتَكْبِرُونَ فِي الدُّنْيَا عَنْ إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَاتِّبَاعِ الرُّسُلِ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا}، فِي الدُّنْيَا. وَ "التَّبَعُ " جَمْعُ "تَابِعٍ "، كَمَا الْغَيَبُ جَمْعُ "غَائِبٍ ". وَإِنَّمَا عَنَوْا بِقَوْلِهِمْ: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا}، أَنَّهُمْ كَانُوا أَتْبَاعَهُمْ فِي الدُّنْيَا يَأْتَمِرُونَ لِمَا يَأْمُرُونَهُمْ بِهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْكَفْرِ بِاللَّهِ، وَيَنْتَهُونَ عَمَّا نَهَوْهُمْ عَنْهُ مِنَ اتِّبَاعِ رُسُلِ اللَّهِ {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}، يَعْنُونُ: فَهَلْ أَنْتُمْ دَافِعُونَ عَنَّا الْيَوْمَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ. وَكَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ نَحْوَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: {وَقَالَ الضُّعَفَاءُ}، قَالَ: الْأَتْبَاعُ {لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا}، قَالَ: لِلْقَادَةِ. قَوْلُهُ: {لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ}، يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: قَالَتِ الْقَادَةُ عَلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ لِتُبَّاعِهَا: {لَوْ هَدَانَا اللَّهُ}، يَعْنُونَ: لَوْ بَيَّنَ اللَّهُ لَنَا شَيْئًا نَدْفَعُ بِهِ عَذَابَهُ عَنَّا الْيَوْمَ (لَهَدَيْنَاكُمْ)، لَبَيَّنَّا ذَلِكَ لَكُمْ حَتَّى تَدْفَعُوا الْعَذَابَ عَنْ أَنْفُسِكُمْ، وَلَكِنَّا قَدْ جَزِعْنَا مِنَ الْعَذَابِ، فَلَمْ يَنْفَعْنَا جَزَعُنَا مِنْهُ وَصَبْرُنَا عَلَيْهِ {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}، يَعْنُونَ: مَا لَهُمْ مِنْ مَرَاغٍ يَرُوغُونَ عَنْهُ. يُقَالُ مِنْهُ: "حَاصَ عَنْ كَذَا "، إِذَا رَاغَ عَنْهُ، "يَحِيصُ حَيْصًا، وحُيُوصًا وَحَيَصَانًا. وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ الْحَكَمِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي لَيْلَى، أَحَدِ بَنِي عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ يَقُولُ: بَلَغَنِي، أَوْ ذُكِرَ لِي أَنَّ أَهْلَ النَّارِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: يَا هَؤُلَاءِ، إِنَّهُ قَدْ نَـزَلَ بِكُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَالْبَلَاءِ مَا قَدْ تَرَوْنَ، فَهَلُمَّ فَلْنَصْبِرْ، فَلَعَلَّ الصَّبْرَ يَنْفَعُنَا، كَمَا صَبَرَ أَهْلُ الدُّنْيَا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فَنَفَعَهُمُ الصَّبْرُ إِذْ صَبَرُوا. قَالَ: فَيُجْمِعُونَ رَأْيَهُمْ عَلَى الصَّبْرِ. قَالَ: فَصَبَرُوا، فَطَالَ صَبْرُهُمْ، ثُمَّ جَزِعُوا فَنَادَوْا: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}، أَيْ مِنْ مَنْجًى. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}، قَالَ: إِنَّ أَهْلَ النَّارِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعَالَوْا، فَإِنَّمَا أَدْرَكَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ بِبُكَائِهِمْ وَتَضَرُّعِهِمْ إِلَى اللَّهِ، فَتَعَالَوْا نَبْكِي وَنَتَضَرَّعُ إِلَى اللَّهِ! قَالَ: فَبَكَوْا، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُمْ قَالُوا: تَعَالَوْا، فَإِنَّمَا أَدْرَكَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ بِالصَّبْرِ، تَعَالَوْا نَصْبِرُ! فَصَبَرُوا صَبْرًا لَمْ يُرَ مِثْلَهُ، فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ ذَلِكَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالُوا: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ إِبْلِيسُ، {لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ}، يَعْنِي لِمَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، وَاسْتَقَرَّ بِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ قَرَارُهُمْ، أَنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ، أَيُّهَا الْأَتْبَاعُ، النَّارَ، وَوَعَدْتُكُمُ النُّصْرَةَ، فَأَخْلَفْتُكُمْ وَعْدِي، وَوَفَى اللَّهُ لَكُمْ بِوَعْدِهِ {وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ}، يَقُولُ: وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ، فِيمَا وَعَدْتُكُمْ مِنَ النُّصْرَةِ، مِنْ حُجَّةٍ تَثْبُتُ لِي عَلَيْكُمْ بِصِدْقِ قَوْلِي {إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ}. وَهَذَا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ عَنِ الْأَوَّلِ، كَمَا تَقُولُ: "مَا ضَرَبْتُهُ إِلَّا أَنَّهُ أَحْمَقُ "، وَمَعْنَاهُ: وَلَكِنْ {دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي}. يَقُولُ: إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى طَاعَتِي وَمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَاسْتَجَبْتُمْ لِدُعَائِي {فَلَا تَلُومُونِي}، عَلَى إِجَابَتِكُمْ إِيَّايَ {وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ}، عَلَيْهَا {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ}، يَقُولُ: مَا أَنَا بِمُغِيثِكُمْ {وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ}، وَلَا أَنْتُمْ بِمُغِيثِيَّ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فَمُنْجِيَّ مِنْهُ {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ}، يَقُولُ: إِنِّي جَحَدْتُ أَنْ أَكُونَ شَرِيكًا لِلَّهِ فِيمَا أَشْرَكْتُمُونِي فِيهِ مِنْ عِبَادَتِكُمْ (مِنْ قَبْلُ) فِي الدُّنْيَا {إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، يَقُولُ: إِنَّ الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ "أَلِيمٌ "، مِنَ اللَّهِ مُوجِعٌ. يُقَالُ: " أَصْرَخْتُ الرَّجُلَ "، إِذَا أَغَثْتُهُ "إِصْرَاخًا "، وَ"قَدْ صَرَخَ الصَّارِخُ، يَصْرُخُ، ويَصْرَخُ، قَلِيلَةٌ، وَهُوَ الصَّرِيخُ وَالصُّرَاخُ ". وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ}، قَالَ: خَطِيبَانِ يَقُومَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِبْلِيسُ وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ. فَأَمَّا إِبْلِيسُ فَيَقُومُ فِي حِزْبِهِ فَيَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ. وَأَمَّا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَقُولُ: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}، [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 117]. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: يَقُومُ خَطِيبَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَحَدُهُمَا عِيسَى، وَالْآخَرُ إِبْلِيسُ. فَأَمَّا إِبْلِيسُ فَيَقُومُ فِي حِزْبِهِ فَيَقُولُ: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ}، فَتَلَا دَاوُدُ حَتَّى بَلَغَ: {بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ}، فَلَا أَدْرِي أَتَمَّ الْآيَةَ أَمْ لَا؟ وَأَمَّا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيُقَالُ لَهُ: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، فَتَلَا حَتَّى بَلَغَ: {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 1]. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: يَقُومُ خَطِيبَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}، [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 1]. قَالَ: وَيَقُومُ إِبْلِيسُ فَيَقُولُ: {وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ}، مَا أَنَا بِمُغِيثِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُغِيثِيَّ. حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فِي قَوْلِهِ: {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ}، قَالَ: خَطِيبَانِ يَقُومَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَمَّا إِبْلِيسُ فَيَقُولُ هَذَا، وَأَمَّا عِيسَى فَيَقُولُ: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ}. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رِشْدِينِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ دُخَيْنٍ الْحَجْرِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: يَقُولُ عِيسَى: ذَلِكُمُ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ. فَيَأْتُونَنِي، فَيَأْذَنُ اللَّهُ لِي أَنْ أَقُومَ، فَيَثُورُ مِنْ مَجْلِسِي مِنْ أَطْيَبِ رِيحٍ شَمَّهَا أَحَدٌ، حَتَّى آتِيَ رَبِّي فَيُشَفِّعُنِي، وَيَجْعَلُ لِي نُورًا إِلَى نُورٍ، مِنْ شَعْرِ رَأْسِي إِلَى ظُفْرِ قَدَمِي، ثُمَّ يَقُولُ الْكَافِرُونَ: قَدْ وَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَهُمْ، فَقُمْ أَنْتَ فَاشْفَعْ لَنَا، فَإِنَّكَ أَنْتَ أَضْلَلْتَنَا. فَيَقُومُ، فَيَثُورُ مِنْ مَجْلِسِهِ أَنْتَنُ رِيحٍ شَمَّهَا أَحَدٌ، ثُمَّ يَعْظُمُ لِجَهَنَّمَ، وَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ: {إِنِ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} الْآيَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ}، قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، قَامَ إِبْلِيسُ خَطِيبًا عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ نَارٍ، فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ}، إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ}، قَالَ: بِنَاصِرِيَّ {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ}، قَالَ: بِطَاعَتِكُمْ إِيَّايَ فِي الدُّنْيَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَمَّنْ ذَكَرَهُ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، قَالَ فِي قَوْلِهِ: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ}، قَالَ: قَامَ إِبْلِيسُ يَخْطُبُهُمْ فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ}، إِلَى قَوْلِهِ: {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ}، يَقُولُ: بِمُغْنٍ عَنْكُمْ شَيْئًا {وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ}، قَالَ: فَلَمَّا سَمِعُوا مَقَالَتَهُ مَقَتُوا أَنْفُسَهُمْ، قَالَا فَنُودُوا: {لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ}، الْآيَة[سُورَةُ غَافِرٍ: 10]. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ}، مَا أَنَا بِمُغِيثِكُمْ، وَمَا أَنْتُمْ بِمُغِيثِيَّ قَوْلُهُ: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ}، يَقُولُ: عَصَيْتُ اللَّهَ قَبْلَكُمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ}، قَالَ: هَذَا قَوْلُ إِبْلِيسَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: مَا أَنْتُمْ بِنَافِعِيَّ وَمَا أَنَا بِنَافِعِكُمْ {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} قَالَ: شَرِكَتُهُ، عِبَادَتَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {بِمُصْرِخِيَّ}، قَالَ: بِمُغِيثِيَّ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: مَا أَنَا بِمُنْجِيكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُنْجِيَّ. حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ قَالَ: خَطِيبُ السَّوْءِ الصَّادِقُ إِبْلِيسُ، أَفَرَأَيْتُمْ صَادِقًا لَمْ يَنْفَعْهُ صِدْقُهُ: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ}، أَقْهَرُكُمْ بِهِ {إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي}، قَالَ: أَطَعْتُمُونِي {فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ}، حِينَ أَطَعْتُمُونِي {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ}، مَا أَنَا بِنَاصِرِكُمْ وَلَا مُغِيثِكُمْ {وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ}، وَمَا أَنْتُمْ بِنَاصِرِيَّ وَلَا مُغِيثِيَّ لِمَا بِي {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَحَدِ بَنِي عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ يَقُولُ: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ}، قَالَ: قَامَ أَبِلِيسُ عِنْدَ ذَلِكَ، يَعْنِي حِينَ قَالَ أَهْلُ جَهَنَّمَ: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}، فَخَطَبَهُمْ، فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ}، إِلَى قَوْلِهِ: {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ}، يَقُولُ: بِمُغْنٍ عَنْكُمْ شَيْئًا {وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ}. قَالَ: فَلَمَّا سَمِعُوا مَقَالَتَهُ مَقَتُوا أَنْفُسَهُمْ، قَالَ: فَنُودُوا: {لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ}، الْآيَةَ [سُورَةُ غَافِرٍ: 10].
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَأُدْخِلُ الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَأَقَرُّوا بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَبِرِسَالَةِ رُسُلِهِ. وَأَنَّ مَا جَاءَتْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ حَقٌّ (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)، يَقُولُ: وَعَمِلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ. فَانْتَهَوْا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، بَسَاتِينَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ (خَالِدِينَ فِيهَا)، يَقُولُ مَاكِثِينَ فِيهَا أَبَدًا (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ)، يَقُولُ: أُدْخِلُوهَا بِأَمْرِ اللَّهِ لَهُمْ بِالدُّخُولِ {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ}، وَذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا:- حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَوْلُهُ: {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ}، قَالَ: الْمَلَائِكَةُ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِمْ فِي الْجَنَّةِ. وَقَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَة طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ}، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ تَرَ، يَا مُحَمَّدُ، بِعَيْنِ قَلْبِكَ، فَتَعْلَمَ كَيْفَ مَثَّلَ اللَّهُ مَثَلًا وَشَبَّهَ شَبَهًا {كَلِمَةً طَيِّبَةً}، وَيَعْنِي بِالطِّيبَةِ: الْإِيمَانَ بِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةِ الثَّمَرَةِ، وَتَرَكَ ذِكْرَ "الثَّمَرَةِ " اسْتِغْنَاءً بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ عَنْ ذِكْرِهَا بِذِكْرِ "الشَّجَرَةِ ". وَقَوْلُهُ: {أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}، يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: أَصْلُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ ثَابِتٌ فِي الْأَرْضِ "وَفَرْعُهَا "، وَهُوَ أَعْلَاهَا فِي "السَّمَاءِ "، يَقُولُ: مُرْتَفِعٌ عُلُوًّا نَحْوَ السَّمَاءِ. وَقَوْلُهُ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}، يَقُولُ: تُطْعِمُ مَا يُؤْكَلُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرِهَا كُلَّ حِينٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ}، يَقُولُ: وَيُمَثِّلُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ، وَيُشَبِّهُ لَهُمُ الْأَشْبَاهَ (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)، يَقُولُ: لِيَتَذَكَّرُوا حُجَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَيَعْتَبِرُوا بِهَا وَيَتَّعِظُوا، فَيَنْـزَجِرُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ بِهِ إِلَى الْإِيمَانِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى بِالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهَا إِيمَانُ الْمُؤْمِنِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {كَلِمَةً طَيِّبَةً}، شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ}، وَهُوَ الْمُؤْمِنُ {أَصْلُهَا ثَابِتٌ}، يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثَابِتٌ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ {وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}، يَقُولُ: يُرْفَعُ بِهَا عَمَلُ الْمُؤْمِنِ إِلَى السَّمَاءِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ: {كَلِمَةً طَيِّبَةً}، قَالَ: هَذَا مَثَلُ الْإِيمَانِ، فَالْإِيمَانُ الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ، وَأَصْلُهُ الثَّابِتُ الَّذِي لَا يَزُولُ الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ، وَفَرْعُهُ فِي السَّمَاءِ، فَرْعُهُ خَشْيَةُ اللَّهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ}، قَالَ: كَنَخْلَةٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَالَ آخَرُونَ: "الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ "، أَصْلُهَا ثَابِتٌ، هِيَ ذَاتُ أَصْلٍ فِي الْقَلْبِ {وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}، تَعْرُجُ فَلَا تُحْجَبُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى اللَّهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِهَا الْمُؤْمِنُ نَفْسُهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}،، يَعْنِي بِالشَّجَرَةِ الطَّيِّبَةِ الْمُؤْمِنَ، وَيَعْنِي بِالْأَصْلِ الثَّابِتِ فِي الْأَرْضِ، وَبِالْفَرْعِ فِي السَّمَاءِ، يَكُونُ الْمُؤْمِنُ يَعْمَلُ فِي الْأَرْضِ، وَيَتَكَلَّمُ، فَيَبْلُغُ عَمَلُهُ وَقَوْلُهُ السَّمَاءَ وَهُوَ فِي الْأَرْضِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ فِي قَوْلِهِ: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ}، قَالَ: ذَلِكَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ لَا يَزَالُ يَخْرُجُ مِنْهُ كَلَامٌ طَيِّبٌ وَعَمَلٌ صَالِحٌ يَصْعَدُ إِلَيْهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: "أَصْلُهَا ثَابِتٌ فِي الْأَرْضِ "، وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَؤُهَا. قَالَ: ذَلِكَ الْمُؤْمِنُ ضُرِبَ مَثَلُهُ. قَالَ: الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَعِبَادَتُهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، قَالَ: {أَصْلُهَا ثَابِتٌ}، قَالَ: أَصْلُ عَمَلِهِ ثَابِتٌ فِي الْأَرْضِ {وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}، قَالَ: ذِكْرُهُ فِي السَّمَاءِ. وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ "الشَّجَرَةِ " الَّتِي جُعِلَتْ لِلْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ مَثَلًا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ النَّخْلَةُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَرْفِ: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ}، قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَنَسٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: {كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ}، قَالَ: النَّخْلُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ وَالْحُسْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: قَالَ خَرَجْتُ مَعَ أَبِي الْعَالِيَةِ نُرِيدُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: فَأَتَيْنَاهُ، فَدَعَا لَنَا بِقِنْوٍ عَلَيْهِ رُطَبٌ، فَقَالَ: كُلُوا مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِثٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}، وَقَالَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ: " بِقِنَاعٍ ". حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِقِنَاعِ بُسْرٍ، فَقَالَ: {مَثَلُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ. حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، » عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِقِنَاعٍ فِيهِ بُسْرٌ، فَقَالَ: {مَثَلُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} قَالَ: "هِيَ النَّخْلَةُ. قَالَ شُعَيْبٌ، فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ أَبَا الْعَالِيَةِ فَقَالَ: كَذَلِكَ كَانُوا يَقُولُونَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَنَسٍ، فَأُتِينَا بِطَبَقٍ، أَوْ قِنْعٍ، عَلَيْهِ رُطَبٌ، فَقَالَ: كُلْ يَا أَبَا الْعَالِيَةِ، فَإِنَّ هَذَا مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ فِي كِتَابِهِ: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ قَالَ: كَانَ أَبُو الْعَالِيَةِ يَأْتِينِي، فَأَتَانِي يَوْمًا فِي مَنْـزِلِي بَعْدَ مَا صَلَّيْتُ الْفَجْرَ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَدَخَلْنَا مَعَهُ إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَجِيءَ بِطَبَقٍ عَلَيْهِ رُطَبٌ فَقَالَ أَنَسٌ لِأَبِي الْعَالِيَةِ: كُلْ، يَا أَبَا الْعَالِيَةِ، فَإِنَّ هَذِهِ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ثَابِتٍ أَصْلُهَا)، قَالَ: هَكَذَا قَرَأَهَا يَوْمَئِذٍ أَنَسٌ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا طَلْقٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، عَنْ مُرَّةَ بْنِ شَرَاحِيلَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ}، قَالَ: النَّخْلَةُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى ح وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ [قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ}، قَالَ: كَنَخْلَةٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ] قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ ح وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَصِينٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ، لَا تَزَالُ فِيهَا مَنْفَعَةٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَغْرَاءَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ}، قَالَ: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ النَّخْلَةِ {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ}. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {مَثَلُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ}، كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهَا النَّخْلَةُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ}، قَالَ: يَزْعُمُونَ أَنَّهَا النَّخْلَةُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ}، قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}، قَالَ: النَّخْلُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ}، قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: قَالَ شُعَيْبُ بْنُ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: "الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ "، النَّخْلَةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَابُوسُ بْنُ أَبِي ظَبْيَانِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}، قَالَ: هِيَ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هِيَ "النَّخْلَةُ "، لِصِحَّةِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا:- حَدَّثَنَا بِهِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، «عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُتِيَ بِجُمَّارٍ فَقَالَ: مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ مَثَلُهَا مَثَلُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ " هِيَ النَّخْلَةُ "، فَإِذَا أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ، فَسَكَّتُّ، [ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ النَّخْلَةُ]». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ سَرْجٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ "هِيَ النَّخْلَةُ "، فَمَنَعَنِي مَكَانُ عُمَرَ، فَقَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ النَّخْلَة». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، فَالّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ شَجَرَةً مِنَ الشَّجَرِ لَا تَطْرَحُ وَرَقَهَا مِثْلَ الْمُؤْمِنِ؟ قَالَ: فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَدْوِ، وَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ النَّخْلَة». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ الَقَسْمَلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يُسْقِطُ وَرَقُهَا، وَهِيَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ؛ فَتُحَدِّثُونِي مَا هِي؟ » فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْبَرُونِي بِشَجَرَةٍ كَمَثَلِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ، لَا يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا؟ قَالَ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وثَّمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَلَّمَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ النَّخْلَةُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى "الْحِينِ " الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ غَدَاةٍ وَعَشِيَّةٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُوَ مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "الْحِينُ " قَدْ يَكُونُ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}، قَالَ: غُدْوَةً وَعَشِيَّةً. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا طَلْقٌ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}، قَالَ: بُكْرَةً وَعَشِيًا. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}، قَالَ: بَكَرَةً وَعَشِيَّةً. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}، قَالَ: يَذْكُرُ اللَّهَ كُلَّ سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَابُوسٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {تُؤْتِي أَكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}، قَالَ: غَدْوَةً وَعَشِيَّةً. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَغْرَاءَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}، قَالَ: الْمُؤْمِنُ يُطِيعُ اللَّهَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَفِي كُلِّ حِينٍ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}، يَصْعَدُ عَمَلُهُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}، قَالَ: يَصْعَدُ عَمَلُهُ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}، قَالَ: تُخْرِجُ ثَمَرَتَهَا كُلَّ حِينٍ. وَهَذَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ يَعْمَلُ كُلَّ حِينٍ، كُلَّ سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ، وَكُلَّ سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَبِالشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، بِطَاعَةِ اللَّهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، مِنْ بَيْنِ صِرَامِهَا إِلَى حَمْلِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "الْحِينُ "، سِتَّةُ أَشْهُرٍ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ قَالَ: قَالَ عِكْرِمَةُ: سُئِلْتُ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَصْنَعَ كَذَا وَكَذَا إِلَى حِينٍ؟ فَقُلْتُ: إِنَّ مِنَ الْحِينِ حِينًا يُدْرَكُ، وَمِنَ الْحِينِ حِينًا لَا يُدْرَكُ، فَالْحِينُ الَّذِي لَا يُدْرَكُ قَوْلُهُ: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [سُورَةُ ص: 88]، وَالْحِينُ الَّذِي يُدْرَكُ، {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}، قَالَ: وَذَلِكَ مِنْ حِينِ تُصْرَمُ النَّخْلَةُ إِلَى حِينِ تُطْلِعُ، وَذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: الْحِينُ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}، قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ، وَ "الحِينُ "، سِتَّةُ أَشْهُرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}، قَالَ: هُوَ مَا بَيْنَ حَمْلِ النَّخْلَةِ إِلَى أَنْ تُجِدَّ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ عِكْرِمَةُ: الْحِينُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَخَاهُ حِينًا؟ قَالَ: الْحِينُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ.ثُمَّ ذَكَرَ النَّخْلَةَ، مَا بَيْنَ حَمْلِهَا إِلَى صِرَامِهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ طَارِقٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ}، قَالَ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}، وَالْحِينُ: مَا بَيْنَ السَّبْعَةِ وَالسِّتَّةِ، وَهِيَ تُؤْكَلُ شِتَاءً وَصَيْفًا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: مَا بَيْنَ السِّتَّةِ الْأَشْهُرِ وَالسَّبْعَةِ، يَعْنِي الْحِينَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: الْحِينُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ "الْحِينُ " هَهُنَا سَنَةٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي مَكِينٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَقْطَعَ يَدَ غُلَامِهِ أَوْ يَحْبِسَهُ حِينًا. قَالَ: فَسَأَلَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ فَقُلْتُ: لَا تُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَحْبِسُهُ سَنَةً، وَالْحِينُ سَنَةٌ. ثُمَّ قَرَأَ: {لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ}، [سُورَةُ يُوسُفَ: 35]، وَقَرَأَ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: وَزَادَ أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " الْحِينُ "، حِينَانِ، حِينٌ يُعْرَفُ وَحِينٌ لَا يُعْرَفُ، فَأَمَّا الْحِينُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [سُورَةُ ص: 88]، وَأَمَّا الْحِينُ الَّذِي يُعْرَفُ فَقَوْلُهُ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَأَلْتُ حَمَّادًا وَالْحَكَمَ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ أَلَّا يُكَلِّمَ رَجُلًا إِلَى حِينٍ؟ قَالَا الْحِينُ: سَنَةٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى ح وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ ح وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي وَرْقَاءُ ح وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: (كُلَّ حِينٍ)، قَالَ: كُلَّ سَنَةٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ}، قَالَ: كُلَّ سَنَةٍ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَامٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: حَلَفْتُ 0أَلَّا أُكَلِّمَ رَجُلًا حِينًا؟ فَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ}، فَالْحِينُ سَنَةٌ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ غَسِيلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: يَا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، إِنِّي حَلَفْتُ أَنْ لَا أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا، حِينًا، فَمَا الْحِينُ الَّذِي تَعْرِفُ بِهِ؟ قُلْتُ: إِنَّ مِنَ الْحِينِ حِينًا لَا يُدْرَكُ، وَمِنَ الْحِينِ حِينٌ يُدْرِكُ، فَأَمَّا الْحِينُ الَّذِي لَا يُدْرَكُ فَقَوْلُ اللَّهِ: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [سُورَةُ الْإِنْسَانِ: 1]، وَاللَّهِ مَا يَدْرِي كَمْ أَتَى لَهُ إِلَى أَنْ خُلِقَ، وَأَمَّا الَّذِي يُدْرَكُ فَقَوْلُهُ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}، فَهُوَ مَا بَيْنَ الْعَامِ إِلَى الْعَامِ الْمُقْبِلِ. فَقَالَ: أَصَبْتَ يَا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، مَا أَحْسَنَ مَا قُلْتَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ لَا أُكَلِّمَ رَجُلًا حِينًا؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ}، فَالْحِينُ سَنَةٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ "الْحِينُ " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: شَهْرَانِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، فَقَالَ: إِنِّي حَلَفْتُ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا حِينًا؟ [ فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} ]. قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ، لَا يَكُونُ مِنْهَا أُكُلُهَا إِلَّا شَهْرَيْنِ، فَالْحِينُ شَهْرَانِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِالْحِينِ، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، غُدْوَةً وَعَشِيَّةً، وَكُلَّ سَاعَةٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ضَرَبَ مَا تُؤْتِي هَذِهِ الشَّجَرَةُ كُلَّ حِينٍ مِنَ الْأُكُلِ لِعَمَلِ الْمُؤْمِنِ وَكَلَامِهِ مَثَلًا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يُرْفَعُ لَهُ إِلَى اللَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ صَالِحٌ مِنَ الْعَمَلِ وَالْقَوْلِ، لَا فِي كُلِّ سَنَةٍ، أَوْ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ فِي كُلِّ شَهْرَيْنِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَثَلَ لَا يَكُونُ خِلَافًا لِلْمُمَثَّلِ بِهِ فِي الْمَعْنَى. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ بَيِّنًا صِحَّةُ مَا قُلْنَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَيُّ نَخْلَةٍ تُؤْتِي فِي كُلِّ وَقْتٍ أُكُلًا صَيْفًا وَشِتَاءً؟ قِيلَ: أَمَّا فِي الشِّتَاءِ، فَإِنَّ الطَّلْعَ مِنْ أُكُلِهَا، وَأَمَّا فِي الصَّيْفِ فَالْبَلَحُ وَالْبُسْرُ وَالرُّطَبُ وَالتَّمْرُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ أُكُلِهَا. وَقَوْلُهُ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا}، فَإِنَّهُ كَمَا:- حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}، قَالَ: يُؤْكَلُ ثَمَرُهَا فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ}، قَالَ: هِيَ تُؤْكَلُ شِتَاءً وَصَيْفًا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}، يُصَعَّدُ عَمَلُهُ، يَعْنِي عَمَلَ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَآخِرِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَثَلُ الشِّرْكِ بِاللَّهِ، وَهِيَ "الْكَلِمَةُ الْخَبِيثَةُ "، كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيهَا أَيُّ شَجَرَةٍ هِيَ؟ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: هِيَ الْحَنْظَلُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ فِي هَذَا الْحَرْفِ: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ}، قَالَ: الشَّرْيَانُ؟ فَقُلْتُ: مَا الشَّرْيَانُ؟ قَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ: الْحَنْظَلُ، فَأَقَرَّ بِهِ مُعَاوِيَةُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ}، قَالَ: الْحَنْظَلُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: الشَّرْيَانُ، يَعْنِي الْحَنْظَلَ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبَّانَ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ}، قَالَ: الشَّرْيَانُ. قُلْتُ لِأَنَسٍ: مَا الشَّرْيَانِ؟ قَالَ: الْحَنْظَلُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي الْعَالِيَةِ نُرِيدُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَأَتَيْنَاهُ، فَقَالَ: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ}، تِلْكُمُ الْحَنْظَلُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَنَسٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِيَاسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "الشَّجَرَةُ الْخَبِيثَةُ "، الشَّرْيَانُ.فَقُلْتُ: وَمَا الشَّرْيَانُ؟ قَالَ: الْحَنْظَلُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: تِلْكُمُ الْحَنْظَلُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ شُعَيْبٍ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} الْآيَةَ قَالَ: تِلْكُمُ الْحَنْظَلُ، أَلَم تَرْوا إِلَى الرِّيَاحِ كَيْفَ تُصَفِّقُهَا يَمِينًا وَشِمَالًا؟ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ}، الْحَنْظَلَةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هَذِهِ الشَّجَرَةُ لَمْ تُخْلَقْ عَلَى الْأَرْضِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَابُوسٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}، قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ، وَلَمْ تُخْلَقْ هَذِهِ الشَّجَرَةُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَصْحِيحِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: هِيَ الْحَنْظَلَةُ، خَبَرٌ. فَإِنْ صَحَّ، فَلَا قَوْلَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ غَيْرُهُ، وَإِلَّا فَإِنَّهَا شَجَرَةٌ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهَا اللَّهُ بِهَا. ذِكْرُ الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، «عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}، قَالَ: هِيَ الْحَنْظَلَةُ قَالَ شُعَيْبٌ: وَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ أَبَا الْعَالِيَةِ فَقَالَ: كَذَلِكَ كَانُوا يَقُولُونَ». وَقَوْلُهُ: {اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ}، يَقُولُ: اسْتُؤْصِلَتْ. يُقَالُ مِنْهُ: اجْتَثَثْتُ الشَّيْءَ، أَجْتَثُّهُ اجْتِثَاثًا: إِذَا اسْتَأْصَلْتَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ}، قَالَ: اسْتُؤْصِلَتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ. {مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}، يَقُولُ: مَا لِهَذِهِ الشَّجَرَةِ مِنْ قَرَارٍ وَلَا أَصْلٍ فِي الْأَرْضِ تَثْبُتُ عَلَيْهِ وَتَقُومُ. وَإِنَّمَا ضُرِبَتْ هَذِهِ الشَّجَرَةُ الَّتِي وَصَفَهَا اللَّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِكُفْرِ الْكَافِرِ وَشِرْكِهِ بِهِ مَثَلًا. يَقُولُ: لَيْسَ لِكُفْرِ الْكَافِرِ وَعَمَلِهِ الَّذِي هُوَ مَعْصِيَةُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ ثَبَاتٌ، وَلَا لَهُ فِي السَّمَاءِ مَصْعَدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ شَيْءٌ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}، ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ كَمَثَلِ الْكَافِرِ. يَقُولُ: إِنَّ الشَّجَرَةَ الْخَبِيثَةَ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ. يَقُولُ: الْكَافِرُ لَا يُقْبَلُ عَمَلُهُ وَلَا يُصْعَدُ إِلَى اللَّهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ فِي الْأَرْضِ، وَلَا فَرْعٌ فِي السَّمَاءِ. يَقُولُ: لَيْسَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}، قَالَ قَتَادَةُ: إِنْ رَجُلًا لَقِيَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي " الْكَلِمَةِ الْخَبِيثَةِ "، فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ لَهَا فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرًّا، وَلَا فِي السَّمَاءِ مَصْعَدًا، إِلَّا أَنْ تَلْزَمَ عُنُقَ صَاحِبِهَا، حَتَّى يُوَافِيَ بِهَا الْقِيَامَةَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: أَنَّ رَجُلًا خَالَجَتِ الرِّيحُ رِدَاءَهُ فَلَعَنَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَلْعَنْهَا، فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَى صَاحِبِهَا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ}، قَالَ: هَذَا الْكَافِرُ لَيْسَ لَهُ عَمَلٌ فِي الْأَرْضِ، وَلَا ذِكْرٌ فِي السَّمَاءِ {اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}، قَالَ: لَا يَصْعَدُ عَمَلُهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَلَا يَقُومُ عَلَى الْأَرْضِ. فَقِيلَ: فَأَيْنَ تَكُونُ أَعْمَالُهُمْ؟ قَالَ: يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ}، قَالَ: مَثَلُ الْكَافِرِ، لَا يَصْعَدُ لَهُ قَوْلٌ طَيِّبٌ وَلَا عَمَلٌ صَالِحٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ}، وَهِيَ الشِّرْكُ {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ}، يَعْنِي الْكَافِرَ. قَالَ: {اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}، يَقُولُ: الشِّرْكُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ، يَأْخُذُ بِهِ الْكَافِرُ وَلَا بُرْهَانٌ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ مَعَ الشِّرْكِ عَمَلًا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ}، قَالَ: مَثَلُ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ مَثَلُ الْكَافِرِ لَيْسَ لِقَوْلِهِ وَلَا لِعَمَلِهِ أَصْلٌ وَلَا فَرْعٌ، وَلَا قَوْلُهُ وَلَا عَمَلُهُ يَسْتَقِرُّ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَ الْكَافِرِ: {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}، يَقُولُ: لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ وَلَا فَرْعٌ، وَلَيْسَتْ لَهَا ثَمَرَةٌ، وَلَيْسَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ، كَذَلِكَ الْكَافِرُ لَيْسَ يَعْمَلُ خَيْرًا وَلَا يَقُولُهُ، وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ فِيهِ بَرَكَةً وَلَا مَنْفَعَةً.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}، يُحَقِّقُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَإِيمَانَهُمْ {بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}، يَقُولُ: بِالْقَوْلِ الْحَقِّ، وَهُوَ فِيمَا قِيلَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يُثَبِّتُهُمْ فِي قُبُورِهِمْ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فِي قَوْلِهِ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، قَالَ: التَّثْبِيتُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا إِذَا أَتَاهُ الْمَلِكَانِ فِي الْقَبْرِ فَقَالَا لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: رَبِّيَ اللَّهُ. فَقَالَا لَهُ: مَا دِينُكَ؟ قَالَ: دِينِيَ الْإِسْلَامُ. فَقَالَا لَهُ: مَنْ نَبِيُّكَ؟ قَالَ: نَبِيِّيَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَلِكَ التَّثْبِيتُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، بِنَحْوٍ مِنْهُ فِي الْمَعْنَى. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ النَّاقِدُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهَبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، «عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا سُئِلَ فِي قَبْرِهِ قَالَ: رَبِّيَ اللَّهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ، «عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا سُئِلَ فِي الْقَبْرِ فَيَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنْ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}». حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي كَبْشَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ الْبَحْرَانِيُّ وَاللَّفْظُ لِحَدِيثِ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَإِذَا الْإِنْسَانُ دُفِنَ وَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، جَاءَهُ مَلِكٌ بِيَدِهِ مِطْرَاقٌ فَأَقْعَدَهُ فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. فَيَقُولُ لَهُ: صَدَقْتَ. فُيَفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ فَيُقَالُ: هَذَا مَنْزِلُكَ لَوْ كَفَرْتَ بِرَبِّكَ، فَأَمَّا إِذْ آمَنْتَ بِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَبْدَلَكَ بِهِ هَذَا. ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ، فَيُرِيدُ أَنْ يَنْهَضَ لَهُ، فَيُقَالُ لَهُ: اسْكُنْ. ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ أَوِ الْمُنَافِقُ فَيُقَالُ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: مَا أَدْرِي! فَيُقَالُ لَهُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَدَرَّيْتَ وَلَا اهْتَدَيْتَ! ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا كَانَ مَنْزِلَكَ لَوْ آمَنْتَ بِرَبِّكَ، فَأَمَّا إِذْ كَفَرْتَ، فَإِنَّ اللَّهَ أَبْدَلَكَ هَذَا. ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ، ثُمَّ يَقْمَعُهُ الْمَلَكُ بِالْمِطْرَاقِ قَمْعَةً يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ. قَالَ: بَعْضُ أَصْحَابِهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مِنَّا أَحَدٌ يَقُومُ عَلَى رَأْسِهِ مَلَكٌ بِيَدِهِ مِطْرَاقٌ إِلَّا هِيلَ عِنْدَ ذَلِكَ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}». حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ زَاذَانَ، «عَنِ الْبَرَاءِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَذَكَرَ قَبْضَ رُوحِ الْمُؤْمِنِ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ، يَعْنِي فِي قَبْرِهِ، فَيَقُولَانِ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ. فَيَقُولَانِ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ دِينَيَ الْإِسْلَامُ. فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ. فَيَقُولَانِ: مَا يُدْرِيكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ. فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي. قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}». حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنِ الْبَرَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنِ الْبَرَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَاذَانَ، عَنِ الْبَرَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ جَمِيعًا، عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَاذَانَ، «عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ قَبْضَ رُوحِ الْمُؤْمِنِ! قَالَ: فَيَأْتِيهِ آتٍ فِي قَبْرِهِ فَيَقُولُ: مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ، وَدِينَيَ الْإِسْلَامُ، وَنَبِيِّيَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَيَنْتَهِرُهُ فَيَقُولُ: مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ فَهِيَ آخِرُ فِتْنَةٍ تُعْرَضُ عَلَى الْمُؤْمِنِ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}،، فَيَقُولُ: رَبِّي اللَّهُ، وَدِينَيَ الْإِسْلَامُ، وَنَبِيِّيَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَيُقَالُ لَهُ: صَدَقْت»- وَاللَّفْظُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}، قَالَ: ذَاكَ إِذَا قِيلَ فِي الْقَبْرِ: مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ، وَدِينَيَ الْإِسْلَامُ، وَنَبِيِّيَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَاءَ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ. فَيُقَالُ لَهُ: صَدَقْتَ، عَلَى هَذَا عِشْتَ، وَعَلَيْهِ مِتَّ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ». حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، وَالْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ الْمَيِّتَ لِيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ حِينَ يُوَلُّونَ عَنْهُ مُدْبِرِينَ. فَإِذَا كَانَ مُؤْمِنًا، كَانَتِ الصَّلَاةُ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَالزَّكَاةُ عَنْ يَمِينِهِ، وَكَانَ الصِّيَامُ عَنْ يَسَارِهِ، وَكَانَ فِعْلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَيُؤْتَى مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ فَتَقُولُ الصَّلَاةُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ. فَيُؤْتَى عَنْ يَمِينِهِ فَتَقُولُ الزَّكَاةُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ. فَيُؤْتَى عَنْ يَسَارِهِ فَيَقُولُ الصِّيَامُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ. فَيُؤْتَى مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ فَيَقُولُ فِعْلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ. فَيُقَالُ لَهُ: اجْلِسْ؛ فَيَجْلِسْ، قَدْ تَمَثَّلَتْ لَهُ الشَّمْسُ قَدْ دَنَتْ لِلْغُرُوبِ، فَيُقَالُ لَهُ: أَخْبِرْنَا عَمَّا نَسْأَلُكَ. فَيَقُولُ: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ. فَيُقَالُ: إِنَّكَ سَتَفْعَلُ، فَأَخْبِرْنَا عَمَّا نَسْأَلُكَ عَنْهُ! فَيَقُولُ: وَعَمَّ تَسْأَلُونَ؟ فَيُقَالُ: أَرَأَيْتَ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ، مَاذَا تَقُولُ فِيهِ، وَمَاذَا تَشْهَدُ بِهِ عَلَيْهِ؟ فَيَقُولُ: أَمُحْمِدٌ؟ فَيُقَالُ لَهُ: نَعَمْ. فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَصَدَّقْنَاهُ. فَيُقَالُ لَهُ: عَلَى ذَلِكَ حَيِيتَ، وَعَلَى ذَلِكَ، مِتَّ، وَعَلَى ذَلِكَ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا وَيُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ فِيهَا، فَيَزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُورًا، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ مَا صَرَفَ اللَّهُ عَنْكَ لَوْ عَصَيْتَهُ! فَيَزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُورًا. ثُمَّ يَجْعَلُ نَسَمُهُ فِي النَّسَمِ الطَّيِّبِ، وَهِيَ طَيْرٌ خُضْرٌ تُعَلَّقُ بِشَجَرِ الْجَنَّةِ، وَيُعَادُ جَسَدُهُ إِلَى مَا بُدِئَ مِنْهُ مِنَ التُّرَابِ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُخَارِقٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا مَاتَ أُجْلِسَ فِي قَبْرِهِ، فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيُثَبِّتُهُ اللَّهُ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ، وَدِينَيَ الْإِسْلَامُ، وَنَبِيِّيَ مُحَمَّدٌ. قَالَ: فَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْقُرَشِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ، فِي قَوْلِهِ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، قَالَ: عَذَابُ الْقَبْرِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}، قَالَ شُعْبَةُ شَيْئًا لَمْ أَحْفَظْهُ، قَالَ: فِي الْقَبْرِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}، إِلَى قَوْلِهِ: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ}، قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ شَهِدَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَبَشَّرُوهُ بِالْجَنَّةِ، فَإِذَا مَاتَ مَشَوْا فِي جِنَازَتِهِ ثُمَّ صَلَّوْا عَلَيْهِ مَعَ النَّاسِ، فَإِذَا دُفِنَ أُجْلِسَ فِي قَبْرِهِ فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ. وَيُقَالُ لَهُ: مَنْ رَسُولُكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ. فَيُقَالُ لَهُ: مَا شَهَادَتُكَ؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَيُوَسَّعُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، سَمِعْتُ ابْنَ طَاوُسٍ يُخْبِرُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: هِيَ فِي فِتْنَةِ الْقَبْرِ، فِي قَوْلِهِ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}، هِيَ فِي صَاحِبِ الْقَبْرِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}، قَالَ: نـَزَلَتْ فِي صَاحِبِ الْقَبْرِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُسْأَلُ فِي قُبُورِهَا، فَيُثَبِّتُ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ فِي قَبْرِهِ حِينَ يُسْأَلُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَبِيعَةَ فَهْدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَاذَانَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ قَبْضَ رُوحِ الْمُؤْمِنِ، قَالَ: فَتَرْجِعُ رَوْحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ شَدِيدَيِ الِانْتِهَارِ، فَيُجْلِسَانِهِ وَيَنْتَهِرَانِهِ، يَقُولَانِ: مَنْ رَبُّكَ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: اللَّهُ. وَمَا دِينُكَ؟ قَالَ: الْإِسْلَامُ. قَالَ: فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ، أَوِ النَّبِيُّ، الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ! فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}، قَالَ: نـَزَلَتْ فِي الْمَيِّتِ الَّذِي يُسْأَلُ فِي قَبْرِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: فِي قَوْلِ اللَّهِ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُسْأَلُ فِي قُبُورِهَا، فَيُثَبِّتُ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ حَيْثُ يُسْأَلُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا}، قَالَ: هَذَا فِي الْقَبْرِ مُخَاطَبَتُهُ، وَفِي الْآخِرَةِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْإِيمَانِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهُوَ "الْقَوْلُ الثَّابِتُ " "وَفِي الْآخِرَةِ "، الْمَسْأَلَةُ فِي الْقَبْرِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ {وَفِي الْآخِرَةِ}، الْمَسْأَلَةِ فِي الْقَبْرِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، أَمَّا "الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" فَيُثَبِّتُهُمْ بِالْخَيْرِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَقَوْلُهُ: {وَفِي الْآخِرَةِ}، أَيْ فِي الْقَبْرِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَا ثَبَتَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، وَذَلِكَ تَثْبِيتُهُ إِيَّاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَفِي الْآخِرَةِ) بِمِثْلِ الَّذِي ثَبَّتَهُمْ بِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ فِي قُبُورِهِمْ حِينَ يُسْأَلُونَ عَنِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ بِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ}، فَإِنَّهُ يَعْنِي، أَنَّ اللَّهَ لَا يُوَفِّقُ الْمُنَافِقَ وَالْكَافِرَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ عِنْدَ الْمُسَاءَلَةِ فِي الْقَبْرِ، لِمَا هَدَى لَهُ مِنَ الْإِيمَانِ الْمُؤْمِنِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمَّا الْكَافِرُ فَتَنْـزِلُ الْمَلَائِكَةُ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ، فَيَبْسُطُونَ أَيْدِيَهُمْ " وَالْبَسْطُ "، هُوَ الضَّرْبُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ. فَإِذَا أُدْخِلَ قَبْرَهُ أُقْعِدَ فَقِيلَ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِمْ شَيْئًا، وَأَنْسَاهُ اللَّهُ ذِكْرَ ذَلِكَ. وَإِذَا قِيلَ لَهُ: مَنِ الرَّسُولُ الَّذِي بُعِثَ إِلَيْكَ؟ لَمْ يَهْتَدِ لَهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ شَيْئًا، يَقُولُ اللَّهُ: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ عَوْفٍ، أَبُو رَبِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَاذَانَ، «عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ الْكَافِرَ حِينَ تُقْبَضُ رُوحُهُ، قَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ. قَالَ: فَيَأْتِيهِ مَلِكَانِ شَدِيدَا الِانْتِهَارِ، فَيُجْلِسَانِهِ فَيَنْتَهِرَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي؟ قَالَ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، قَالَ: فَيُقَالُ لَهُ: مَا هَذَا النَّبِيُّ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ ذَلِكَ، لَا أَدْرِي. قَالَ: فَيَقُولَانِ: لَا دَرَيْتَ. قَالَ: وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}». وَقَوْلُهُ: {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}، يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَبِيَدِ اللَّهِ الْهِدَايَةُ وَالْإِضْلَالُ، فَلَا تُنْكِرُوا، أَيُّهَا النَّاسُ، قُدْرَتَهُ، وَلَا اهْتِدَاءَ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ ضَالًّا وَلَا ضَلَالَ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُهْتَدِيًا، فَإِنَّ بِيَدِهِ تَصْرِيفَ خَلْقِهِ وَتَقْلِيبَ قُلُوبِهِمْ، يَفْعَلُ فِيهِمْ مَا يَشَاءُ.
|